"صعبة هي الإحاطة بشخصية متعددة الصفات والكفاءات، إنسانيا وأدبيا وفكريا وروحيا ووطنيا، كشخصية الأخ العزيز والصديق الوفي والرجل الرجل الرئيس أنطوان خير، لا بل أكاد أقول أنها مهمة أقرب ما تكون من الاستحالة. فهو بلوري الحضور، يعكس في كل وجه من وجوه حياته أنوارا تنزل عليه من شمس الأزل فيردها من جديد إلى الشاخصين إليه، وقد تشعبت ألوانها وتراقصت أشعتها بتالق يلامس حدود السحر".
هذا الكلام في وصف رئيس مجلس القضاء الاعلى السابق والقاضي انطوان خير قاله فيه مطران بيروت السابق بولس مطر في الحفل الذي أقامته مؤسسة المونسنيور إغناطيوس مارون، في إطار إحتفالات مدرسة الحكمة مار يوسف الأم في بيروت اليوبيلية في مناسبة مرور 140 سنة على تأسيسها(*)،
فالقاضي الدكتور انطوان خير يعد من ابرز اعلام القضاء والقانون والثقافة القانونية والمدنية في لبنان. فهو يحمل:
• اجازة في الحقوق الفرنسية واجازة في الحقوق اللبنانية من كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف 1963.ـ
• دبلوم دكتوراه في القانون العام 1964.ودكتور دولة في الحقوق من جامعة ليون 1968.ـ
• بروفسور في كلية الحقوق واستاذا زائر في كلية الحقوق في جامعة تونس 1998-1999.
• استاذ زائر في كلية الحقوق في جامعة باريس الحادية عشرةSCEAUX) 1999-2000 ) ـ
• استاذ العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف ورئيس قسم القانون العام فيها.
• استاذ زائر في كلية الحقوق في جامعة باريس الخامسة DESCARTES RENE ) 2002-2003)
• استاذ زائر في كلية الحقوق في جامعة باريس الاولى SORBONNE PANTHEON) 2004-2005.)
• درس في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية 1968-1978 وفي معهد القضاة.
• مدير مركز الدراسات الجغرافية للعالم العربي (CEDROMA) التابع لكلية الحقوق في جامعة القديس يوسف.
• عضو المجلس الدستوري 1994-2000
• مثل لبنان في المؤتمر الدولي للمجالس لدستورية الفرنسية في باريس 1997 في ليبرفيل في الغابون 2000.
• المستشار القانوني للوفد اللبناني الى مؤتمر مدريد 1991
• رئيس غرفة في مجلس شورى الدولي منذ سنة 1991.
من مؤلفاته:
متصرفية جبل لبنان (بالفرنسية)ـ منشورات الجامعة اللبنانية 1973.
الفكر السايسي لميشال شيحا ـ منشورات اكسيون 1966.
وقد تحدث في مقابلة اجراها الى مرصد الطائف، فاتت على الشكل التالي:
س: كيف ولماذا جمدت التشكيلات القضائية وهل برأيكم هذا الامر تصرف قانوني ودستوري؟ وكيف تنظرون الى هذا الموضوع؟
ج: انا سبق وتعرضت لمثل هذه الظروف او هذه التجربة التي تحدث الان، عندما كنت رئيسا لمجلس القضاء الأعلى في عهد الرئيس اميل لحود. ان قانون تنظيم القضاء العدلي في مادته الخامسة تطور مع الزمن والنص الحالي، يقول :" ان مجلس القضاء الأعلى يعد التشكيلات القضائية ويعرضها على الوزير لابداء ملاحظاته ، يعني لم يعد للوزير حق اقتراح التشكيلات، كما كان يحدث في الماضي قبل النص الحالي، كان وزير العدل يستطيع ان يقترح التشكيلات ويعرضها على مجلس القضاء الأعلى للموافقة او العكس ، واذا حصل خلاف، يبت هذا الخلاف مجلس الوزراء أي السلطة السياسية، بعد الاستماع الى رئيس مجلس القضاء الأعلى. اما اليوم فمجلس القضاءالأعلى هو الوحيد الذي يمكنه ان يعد التشكيلات، ويعرضها على
الوزير الذي له الحق ان يبدي ملاحظات على هذا الاقتراح وبعد ابدى ملاحظاته يجتمع بمجلس القضاء الأعلى فأما يأخذ المجلس بالملاحظات او ببعضها ، او لا يأخذ. بالنتيجة ، وبعد هذا الاجتماع يجتمع مجلس القضاء الأعلى ، فاذا اقر التشكيلات بأكثرية سبعة أعضاء من عشرة ، يقول النص : تصبح هذه التشكيلات نهائية وملزمة .مما يعني نهائية وملزمة للذي سيصدر المرسوم، هذا مبدأ في القانون الإداري يسمى بالصلاحية المقيدة " “compétence liée . بمعنى ان الذي يصدر المرسوم مجبر حسب النص بان يصدره.
الرئيس الحالي قال :" انا ما ببصم ". لكن القانون يجبره ان يبصم،
س : قصدكم رئيس الجمهورية؟
ج: نعم اجل .
س: يعني تطبيق القانون المعمول به؟
ج: انا في ايامي وفي عهد الرئيس لحود، وبعد الاطلاع على ملاحظات وزير العدل، والاخذ بالبعض منها، صوت مجلس القضاء على التشكيلات بالأجماع، وليس بالأكثرية. فأعد المرسوم ، ووقعه وزير العدل الدكتور شارل رزق بعد نصف ساعة من وصول المشروع اليه. وكذلك وقعه باقي الوزراء ، أي وزير المالية ووزير الدفاع ، بسبب ان هناك قضاة المحكمة العسكرية، ووقعها رئيس الحكومة وكان يومها الرئيس فؤاد السنيورة، قائلا : " وقعت هذا المرسوم دون ان انظر الى تفاصيله ، لان لي كامل الثقة برئيس مجلس القضاء الأعلى وبالأعضاء في مجلس القضاء الأعلى وذهب المرسوم الى رئيس الجمهورية اميل لحود، فلم يوقعه ووضعه في الدرج ، لأنه لربما قيل له انه لا يستطيع لا ان يعدل فيه ولا ان يرده الينا . لذلك وضع المرسوم في الدرج حتى اخر عهده. وترك الرئاسة من دون ان يوقعه.
رئيس الجمهورية الحالي، بدل ان يضعه في الدرج كما فعل الرئيس لحود، احاله الى مجلس الوزراء الذي لا صلاحية له في هذا الموضوع ووقفت التشكيلات عند هذا الحد، مع ان مجلس القضاء الأعلى كان قد وافق على التشكيلات بالأجماع واصبحت حسب النص القانوني نهائية وملزمة.
س: بماذا تصف هذا التصرف؟
ج: هذا التصرف هو تصرف مناقض للمادة الخامسة من قانون تنظيم القضاء العدلي. أي انه تصرف مخالف للقانون.
س : هل يتوافق هذا التصرف، مع ما يقال عن الالتزام بالنصوص والقوانين وبالدستور المعمول به في لبنان؟
ج: طبعا لا .
س: لماذا يتم هذا التصرف بهذه الطريقة؟
ج: لا اعرف .
س: والى ماذا سيؤدي هذا التصرف اذا ما استمرينا على هذه الحال ؟
ج: ستبقى التشكيلات غير منفذة، وهنالك مراكز قضائية كثيرة مشغولة اليوم بالوكالة.
س: كيف يؤثر ذلك على الجسم القضائي ومعنويات القضاة ؟
ج: هذا لا يتماشى مع رفع معنويات القضاء .
س : اين نحن من ما يقال عن استقلال القضاء؟
ج: جميع رجال السياسة يصرحون بانهم يريدون استقلال القضاء، لكنهم بالفعل لا يحترمون هذا الاستقلال .
س : لماذا ؟
ج: لان ذلك يتناقض مع مصالحهم.
س: ما هو المطلوب لكي نصل الى استقلال القضاء؟
ج: المطلوب ان يحترم النص، كما اريد ان أقول انه على بعض القضاة مسؤولية في هذا الخصوص، لانهم يذهبون الى السياسيين ويطلبون تأييدهم ليشغلوا مراكز معينة يطمحون اليها.
س: اليس الامر هنا، له علاقة بوضعية القضاء القانونية؟
ج: القانون كما هو في نصه الأخير يضمن للقضاء الكثير من الاستقلالية. ولكن التنفيذ لا يحدث كما يجب ان يحدث.
س: هل برأيكم القانون الحالي كاف لضمان استقلال القضاء؟
ج: برأيي انا القانون الحالي كاف. لان مجلس القضاء الأعلى مؤلف من عشرة أعضاء. هناك ثلاثة منهم حكميون، يعني بحكم منصبهم، الرئيس الأول لمحكمة التمييز، والمدعي العام لدى محكمة التمييز، ورئيس هيئة التفتيش القضائي. وهنالك عضوان ينتخبهما قضاة محكمة التمييز، يبقى خمسة يعينهم مجلس الوزراء.
انا اعتقد ان الوضع الحالي يؤمن قدر كبير من استقلال القضاء، لكن بهذه المناسبة اريد ان أقول لك ان ما يحكى عن ان مجلس القضاء يجب ان ينتخب برمته، فانا لست مع هذه النظرية. لأننا عندها نحول القضاء بالظروف الحاضرة نحول هذه الانتخابات الى ما تحولت اليه انتخابات نقابة المحامين. أي الى صراعات حزبية.
س: لماذا لا نفكر بقانون استقلالية القضاء بعيدا عن مسالة الانتخاب، بمعنى ان القضاء يكون مستقلا فعلا عن الإدارة السياسية؟
ج: النص الحالي يؤمن قدر كبير من هذه الاستقلالية حسبما أرى. مجلس القضاء الأعلى لا يستطيع ان يصدر مرسوما هذا من صلاحية السلطة التنفيذية تصدر المراسيم. ولكن القول بان ما يفعله مجلس القضاء الأعلى بأكثرية سبعة وما فوق يكون نهائيا وملزما، هنا انا أجد هنا، انه يؤمن قدرا كبيرا من استقلالية القضاء. لكن العبرة في التنفيذ ان السلطة الإجرائية تمتنع عن تنفيذ القانون.
س: لماذا يقال ويردد البعض، ان القضاء اللبناني يجب ان يكون مستقلا بالكامل ؟
ج: كل قضاء يجب ان يكون مستقلا، ليس فقط القضاء اللبناني، فمن حيث تكوين القضاء يجب ان يكون
مستقلا، والا لا يكون ضمانة للمتقاضين.
س: بعد تجريتكم الطويلة إضافة الى معرفتكم التي تتمتعون بها، برايكم اليس القانون الحالي بحاجة لتعديلات؟
ج: يمكن ان يعدل لكي يعطي المزيد من الاستقلالية لكنني اعيد القول كما ذكرت لك انا ضد انتخاب كل اعضاء مجلس القضاء الأعلى، لان القضاة المحترمون يصعب عليهم القيام بمعركة انتخابية.
س: من الذي يطالب بانتخاب القضاة؟
ج: هنالك مشاريع قوانين تعد لكي يكون هناك انتخاب للقضاة.
س: اين وكيف؟
ج: يطرحون مجلس قضاء يضم قضاة مجلس الشورى وقضاة ديوان المحاسبة، ويقول بالانتخاب.
س: من يفترض ان ينتخب القضاة؟
ج: ينتخبهم القضاة، أي ان القضاة ينتخبون، القضاة الاخرين، كما يجري انتخاب مجلس نقابة المحامين وان يقدم القضاة على انتخاب مجلس، القضاء وانا ضد هذا الامر، وضد ان يكون القضاء العدلي ومجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة ينتخبون مجلسا واحدا.
س: هل أنتم راضون عن احترام الدستور والقوانين خلال هذه الفترة؟
ج: عندما لا تحترم استقلالية مجلس القضاء الأعلى كما جرى، لا يمكن ان أكون راضيا.
س: على ماذا يؤثر ذلك؟
ج: يؤثر سلبا على القضاة والمتقاضين.
س: هل يتم احترام الدستور برأيكم؟
بما يختص في قضية التشكيلات القضائية منصوص عليها في القانون.
س: إذا ما استمرينا على هذا المنوال بعدم احترام القوانين الى اين نتجه؟
ج: الى وضعية غير مريحة. للقضاء والمتقاضين.
س: ما ريكم بالتجربة الإيطالية؟
ج: تعني القضاة الذين تعرضوا للمافيا؟ هي تجربة شجاعة. والمطلوب تطبيق القوانين في لبنان لأنها لا تطبق.
س: الى اين يتجه لبنان في هذه الظروف؟
ج: انا حاليا لست على تفاؤل، وهناك مخالفة صريحة للدستور فقد استقال ثمانية نواب والقانون ينص على انتخابات فرعية خلال مدة شهرين وهذا الامر لم يحدث ولم تجري هذه الانتخابات. مما يجعل مجلس النواب يتعرض الى اتهامه بعدم الشرعية. حاليا هناك 120 نائب مناصل 128 نائبا.
س: ما رأيكم في الذي يجري في موضوع تشكيل الحكومة؟
ج: كان على الدستور ان يوجد طريقة لحل موضوع تشكيل الحكومة. الدستور بنصه الحالي من هذه الناحية يجعلنا امام مازق. لأنه يطلب من شخصين ان يوقعا على مرسوم تشكيل الحكومة. فاذا لم يتفقا لا تتشكل الحكومة وليس هنالك مهلة ولا شروط، هذا يمكن ان يستمر طويلا والى اجل غير معروف. مع العلم ان التعديلات التي جرت في الطائف عززت مركز رئيس الحكومة لأنها جعلته يسمى بعد استشارات ملزمة وجعلت السلطة الإجرائية حسب المادة 17 انتقل من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا.
س: هل ترون اننا مقصرون في تطبيق اتفاق الطائف؟
ج: اتفاق الطائف لم يجري تطبيقه كاملا، من جهة ومن جهة ثانية تمت الإساءة في تطبيق بعض احكامه.
س: لبنان الى اين؟
ج: الله وحده يعرف، وانا غير متفائل إذا ما استمرت الظروف على ما هي عليه.
س: لماذا لا يتم تطبيق المادة 95 من قانون القضاء العدلي لمحاسبة القضاة وتنقية صفوفهم اذا ما حدثت أخطاء وتجاوزات؟
ج : انا مع تطبيق هذه المادة ولكن مع ان يكون النص واضحا بالنسبة للشروط يعني القاضي لا يحاكم المتهم الا بعد ان يؤمن له حقوق الدفاع . انا مع هذه المادة على ان يعطى للقاضي كل حقه بالدفاع عن نفسه لكي لا تصبح طريقة للانتقام من بعض القضاة.
الدستور يتحدث بشكل بسيط عن القضاء، في المادة 20 يقول: بان القضاة مستقلين في اصدار احكامهم ولا يتحدث عن سلطة قضائية. في النظام الفرنسي جاء دستور الجمهورية الخامسة لم يقل عن القضاء: (pouvoir ) قال عنه :"( Autorité ) .
اذا كنا نريد القضاء سلطة مستقلة، على الدستور ان ينص على ذلك،من جهة اولى، ومن جهة ثانية المادة خمسة من قانون تنظيم القضاء العدلي، فان السلطة الإجرائية ولمرتين لم تطبقها، والتطبيق يجب ان ينص عليه دستوريا.
في اتفاق الطائف: هنالك عدة مواد لا يمكن ان تطبق الا بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، والنص افترض ان يكون التعامل على هذا المستوى، هذا ما يجب ان يكون، ولكن بكل اسف الواقع يقول لنا عكس ذلك. وعليه يجب إيجاد طريقة لمعالجة الامر إذا ما حصل خلاف.
ثم ان النظام البرلماني من اسسه التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والاجرائية.
السلطة التشريعية لا تزال تستطيع حجب الثقة عن الحكومة واسقاطها. هذا يجب ان يقابله حق حل مجلس النواب من قبل الحكومة، لكن الشروط التي وضعها النص الجديد هي شروط تعجيزية وقد قيل قبل ذلك من قبل الرئيس سليم الحص، حيث اعتبر انه لا يجوز ان لا يكون هناك طريقة لحل مجلس النواب، الشروط الموضوعة تعجيزية لا يجب ان نعود الى وضعية عدم وضع شروط كما في السابق، لكن يجب ان تبقى طريقة معقولة لكي تتمكن السلطة الإجرائية في بعض الأحوال من حل مجلس النواب.
(*) ندوة حول كتاب "أشياء قد تنسى" الصادر عن "دار النهار" للرئيس الأول عضو المجلس الدستوري القاضي الدكتور انطوان خير إبن الحكمة. في اذار من العام 2015.