يحتل قانون انتخابات المجلس النيابي اللبناني مكانا هاما في أولويات الاحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني، ويتصاعد النقاش والسجال في كل منعطف سياسي او استحقاق انتخابي، فيتم طرح اشكال مختلفة وصيغ متناقضة لقوانين انتخابية، تعكس حرص صاحب كل صيغة على جعل القانون معبرا لزيادة المقاعد النيابية الموعودة لحزبه أو زعامته، بما يحرف الممارسة الانتخابية وعمليات الاقتراع عن جوهرها الاساسي وهو تمثيل اوسع الاتجاهات السياسية، وضمان المشاركة لاوسع شرائح المجتمع كالشباب والمرأة وقواه المدنية وحيوياته ألأهلية والانتاجية والثقافية، واتاحة الفرص لتجديد البرامج والنخب السياسية وتأمين تداول السلطة وتناوبها. ويكتسب قانون الانتخاب أهميته من كونه مدخلاا أساسيا لاعادة انتاج السلطة وتعديل أو ادامة توازناتها وادائها، وفي بلد كلبنان، يكتسب أهمية مضاعفة، حيث تلعب السلطة واليات الفساد فيها دورا اساسيا في الاثراء من السلطة وفي اعادة توزيع مغانمها ومواردها، فيتحول حجم الكتل النيابية وقوة انتشارها. استثمارا سلطويا وماليا ينفتح على معادلات الصراعات الافليمية، فيتأثر بها، يلائمها فيستقوي بها ويستند الى دعمها السياسي والمالي، او يواجهها فيتلقى تدخلاتها ومخاطر مواجهتها. ولعل انقاذ نقاش قانون الانتخاب من دوامة الانحرافات اعلاه واستعادته الى سوية معايير الديموقراطية واالمبادئ الدستورية، والعودة الى ما أرساه اتفاق الطائف من ضوابط آمرة تضع الحوار السياسي حول قانون الانتخاب في سكته الصحيحة في اطار ما كرسته وثيقة الوفاق الوطني، فتستبعد الشطحات السياسية والمزايدات الفئوية، وتسمح بحصر الاختيارلت المقبولة في نطاق المنطق الدستوري واللعبة الديموقراطية المشروعه، سيشكل بابا لاصلاح حياتنا السياسية واعادة بناء مؤسساتنا الديموقراطية.
قانون انتخاب على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة وعلى اساس التمثيل النسبي مخالفة صريحة للدستور ووثيقة الوفاق الوطني
واول ما يطرح في هذا المجال ما بادرت اليه كتلة "التنمية والتحرير" البرلمانية، التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بفتح ملف قانون الانتخابات النيابية، عبر إعلانها عن تبني اقتراح قانون جديد للانتخابات، كانت شكلت لجنة خاصة لإعداده. وأهم ما تضمنه الاقتراح، " الذي سيخضع للنقاش مع بقية القوى السياسية والكتل النيابية، هو اعتماد لبنان دائرة واحدة: 128 نائباً، مع ستة نواب للإغتراب موزعين على القارات. ولا وجود للصوت التفضيلي. وستكون اللوائح مقفلة، مع مراعاة التوزيع الطائفي والمذهبي الموجود حالياً في المجلس، والذي سيجري الترشيح على أساسه.ولفت النائب قاسم هاشم إلى أن الحد الأدنى، ليقبل تسجيل اللائحة، هو 20 بالمئة من عدد أعضاء المجلس النيابي، أي 26 مرشحاً على مستوى لبنان كدائرة واحدة. (أكرم حمدان: جريدة المدن الجمعة 26/04/2019 / https://www.almodon.com) ففيما يحدد اتفاق الطائف ودستوره أن "الدائرة الانتخابية هي المحافظة" (وثيقة الوفاق الوطني اللبناني فصل المبادئ العامة والاصلاحات، باب 2- الاصلاحات – فقرة4 ، ص 5 ). ويضيف "اعادة النظر في التقسيم الاداري بما يؤمن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الارض والشعب والمؤسسات". (وثيقة الوفاق الوطني اللبناني فصل: المبادئ العامة والاصلاحات، باب 3- الاصلاحات الأخرى – فقرة3 ، ص11). ويشرح في مكان اخر الدائرة-المحافظة وشروط رسم حدودها وماهية ناخبيها مضيفا "تجري الانتخابات النيابية وفقا لقانون انتخاب جديد على اساس المحافظة، يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الارض والشعب والمؤسسات".(وثيقة الوفاق الوطني اللبناني فصل: المبادئ العامة والاصلاحات، باب 3- الاصلاحات الأخرى – فقرة ج قانون الانتخابات النيابية ، ص 12). ياتي هذا الاقتراح ليشكل انتهاكا اضافيا لوثيقة الوفاق الوطني ينضم لكل الانتهاكات السابقة في قوانين الانتخابات المتعاقبة.
في واقع الأمر، لا يمكن فصل النص ومضامينه عن ظرو ف الزمان والواقع الذي تمت الصياغة بها، فعند انعقاد مؤتمر الطائف كانت فكرة جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة مدرجة في البرنامج المرحلي للحركة الوطنية في حينها، وتم عدم تبني هذه الفكرة لمصلحة الدائرة- المحافظة، وكان عدد محافظات لبنان في ذلك التاريخ خمس محافظات، فيما عدد اقضيته 28 قضاء، فلو اراد اجتماع الطائف تقسيم البنان الى خمس دوائرلفعل، أو الى 28 دائرة قضاء لفعل، ولأورد ذلك دون ان يلحظ اعادة النظر بالتقسيم الاداري، النص مقروءا ومنسوبا الى زمن اقراره وتبنيه يتبنى بروحه ونصه، دائرة انتخابية تتعدى القضاءين وتلحظ تقسيم المحافظات الخمس وزيادة عديدها الى9 دوائر على الاقل أو الى 2/28= 14دائرة على الاكثر، على أن يراعى في رسم حدود الدوائر وانتماءات ناخبيها الانصهار الوطني والعيش المشترك (لا دوائر مذهبية صافية ولاحرمان لاقليات من صحة تمثيلها) وبشرط ان يضمن قانون الانتخاب صحة التمثيل لشى فئات الشعب واجياله،,ولا تشكيك بالصفة التمثيلية لنائب اذا كان انتماء نسبة كبيرة من ناخبيه الى مذهب آخر غير مذهبه، حيث تنص المادة ال 27 من الدستور اللبناني على " عضو مجلس النواب يمثل الامة جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه".
الطائف لا يترك حرية مطلقة لخياطي الدوائر ان ينتجوا تقسيمات حسب اهوائهم السياسية ومصالحهم الحزبية ولا أن يحصروا انتخاب اي نائب بابناء طائفته، بل يتيح تشكيل دوائر يتراوح عددها بين 9 و14 دائرة فقط، هذ محددات اتفاق الطائف لقانون الانتخابات النيابية التي جرى انتهاكها تكرارا في اغلب قوانين الانتخاب التي اعتمدت خلال ثلاثة عقود من اقراره كدستور دون تطبيقه، ويمكن ان يضاف الى هذه المحددات معايير اخرى متصلة بنوع الاقتراع اذا ما كان التمثيل على أساس اكثري ام نسبي، فاذا كان القانون اكثريا زاد عدد الدوائر وضاقت رقعتها وقل عدد ممثلي كل دائرة (8-10 مقاعد كمتوسط)،لانه يصح تصغير الدائرة في النظان الاكثري، واذا ما تم اعتماد التمثيل النسبي اتسعت رقعة الدائرة وارتفع عدد مقاعدها وقل عددها، لنفترب من من 9-10 دوائر (13- 17 مقعد كمتوسط) لانه المناسب والمرتجى توسيع الدائرة الانتخابية عند اعتماد نظام التمثيل النسبي. بعد الالتزام بهذه المعايير بدقة ونبل وفضيلة، ينفتح النقاش واسعا لتحسين قوانين الانتخاب واصلاحها بحيث تضمن مشاركة المراة والشباب وتضمن عدالة المنافسة الديموقراطية في وسائل الاعلام وحملات التمويل والدعاية وتحسين اليات الاشراف على عمليات الاقتراع والفرز واعلان النتائج ومرجعية الطعون فضلا عن الهيكليات الادارية التي تتولى الاشراف على العملية الانتخابية وفي احيان كثيرة تقوم بتنظيم عمليات تزوير واسعة النطاق لتزوير نتائج الانتخابات وتغيير نتائجها ، ولم تكن عملية المحاصصة السافرة من قبل احزاب السلطة السياسية في" انتخاب اعضاء المجلس الدستوري من قبل المجلس النيابي الا اعلانا مسبقا بنية هذه السلطة لافساد الانتخابات و وتقاسم عائدات تزوير نتائجها.
وبدون كل هذا ستبقى انتخاباتنا مناسبة فولكلورية يختبر فيها الزعيم ولاء رعيته ولا يستمع الى مطالبهم الا رياء.